ك: الوعد الصادق
بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيمَ
السّلامُ عَلَيكُمْ وَرحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ .
جَمِيلَ لِلْغَايَةِ أَنْ يَكْتُبَ القارئُ الْعَرَبِيُّ ، وَيُفَخِّرُ بِبَلاغَتِهُ وبراعَتَهُ وفَصَاحَةُ لسانه وهو يُدركُ تماما مَحاسِنَ وَجَمَالِ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ ،
وأن يُمَارَس مَوْهِبَةَ الْكِتَابَةِ وَالتَّدْوِينِ . وَالْجَمَّالَ الاوفى أن يَتَعَلَّمُ فَنُّ الْكِتَابَةِ وَالتَّذَوُّقِ الادبي بأسلوبه
وَعَنَاصِرَ التَّشْوِيقِ فيه لِيُمْتِعُ ذَوْقُ قَارِئِ آخر فيَرْوِي شُغُفُهُ وَحُبَّهُ لِلْقِرَاءةِ بإعذوبة مَا يطَرِّحُهُ مِنْ مَوْضُوعَاتٍ قِيمَةَ ومقالاتٍ هَادِفِهُ
. وقد لاحظُتُ مُؤَخِّرَا مَجْمُوعَةً الْكُتَّابُ الْهُوَاةُ ، بيد أنه اُشكِلَ عليَّ تصنيفهم ، كَونَهم يَخْلقُونْ المللَ في كتَابَة
مَوْضُوعَاتٍ ومقالاتٍ تُطَرِّحُ فِي شَتَّى ميادينْ عُلُومِ وَفُنُونَ وآداب الثِّقَافَاتِ العربيةِ الْمُتَنَوِّعَةِ . بأسلوبٍ خَيَّالَيٍّ هَائِمَ عَائِمِ
، أشبهُ ببَاعَةِ مُتَجَوِّلِينَ ، يعرِضُونَ سِلَعَ مُنْتَهيَةٍ الصَّلاَحِيَّةَ ، بَائِرَةً عدِيمَةُ النّفعِ والمِنْعِة .
فِي مُنْتَدًيَاتِنَا الْعَرَبِيَّةَ بوَجْهِ الْخُصُوصِ وَمَوَاقِعَ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيِ والمدونات الشَّخْصِيَّةَ ،
نلحظُ كُتَّابا عَربَ يَرسمون لنا الأسَىَ والملل في كِتَابَاتِهم ، إّذ لَا نُعَرِّفُ مَا يُقَوِّلُوه أَوْ حَقيقة مَا يَكْتُبُوهُ .
الصِّفَةُ السَّائِدَةُ والاسلوب البارزُ في طابع الكتابة لديهم " اسلوب الْاِخْتِطَافَ " اذ يَخْتَطِفُونَ الْعَبَّارَاتِ وَالْجُمَلِ
عنْ غَيْرَهُمْ بَلَّا فِكْرَةَ وَبَلَا فهمْ لِلْمُعَنّى وَبَلَا هَدَفَ ، وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أنْهَمْ يُحسنِونَ صُنعَا . وأنهم يُكْتِبُونَ وَيُمْتِعُونَ غَيْرَهُمْ ،
فطابعُ الكتابةِ ومفرزاَتِهِ تُشيرُ إلى أنهم إما يَسَرِّقُونَ أَوْ يَسَوَّقُونَ مقالاتٍ بِثُمْنِ بَخْسِ هذا منْ ناحيةٍ ،
ومن ناحِيّة أخرى أتخّاذ الطابعُ مَضامُينَ الكَلِمَاتِ المُتَقَاطِعَةِ .
قَرَأَتْ مَوْضُوعَا لاحدهم كنايةٌ عَنْ خَاطِرَةٍ فِي الْحَبِّ كما عَنونَها ـ وَمَا أَكْثَرُ المقالاتِ وَالْخَوَاطِرِ الَّتِي تدُوّنُ فِي الْحَبِّ وَالصُّبَابَةِ
، حِينَ اِفْتَقَدْنَا مُؤخّراً لَذَّةِ الصُّدُقِ والاخلاص والامانة فِي وَاقِعِ الْحَبِّ الاّ مِن لَذَّةِ التعبير واللَّحظَاتِ الصَّادِقَةَ عَنْه ،
فِيمَا صَوَرَهُ لَنَا الادباء وَالشُّعَرَاءَ الْعَرْبَ الفُضَلاءَ فِي ادبياتهم الرائدة ـ اذ حَاوَلَ الْكَاتِبُ ،
أَنْ يَصْوَرَ حالُهُ وأن يَصِفُ مَشَاعِرُهُ لِمَحْبُوبَتِهُ الْغَائِبَةَ ، فَاِنْتَهَى بِهِ الامر كَمَا فَهَّمَتْ بعد جُهدٍ جَهيدٍ بِسَبَبِ ضِبَابِيَّةَ وعَشْوَائِيَّةَ طَرْحَه
، اِنْهَ اِسْقَطْ عَلَيهَا صَفَّتَي الْغَدْرَ و الْخِيَانَةَ مَعَّا . فَكَانَ هَذَا شَيْءٌ أَغَرَبَ مِنْ الْخَيَالِ فِي فَنُّ التعبير وَالتَّصْوِيرَ خَاصّةً
حِينَ اِفْتَقَدَ الكاتبٌ عِنْدَهَا لَذَّةِ الْحَبِّ والاخْلاصِ ، اذ لَا يَكُونُ الاخلاصُ متوجاً بالكَمَالِ فِي مْفهْومِهُ ،
الا بادْرِاكِ مُبتغَاه ، وما يتمناه مِنْهَا وإن كَانَ فِيه غِيلَةَ لها و اِجْحَافٍ.
اِسْتَعْمَلَتْ جَمِيعَ أنواع الْقَرَّاءة وَمَهَارَاتِهَا ، السَّرِيعَةَ ، والمتأنية ، وَالْجهرِيَّةَ ، وَالصَّامِتَةَ ، وَالتَّحْلِيلِيَّةَ ، وَالنَّقْدِيَّةَ .
وأظنُ أنّ القرَاءَةَ الأخِيرَة كَانَتْ هيَ أَفْضَلَ شَيْء أفدتُ منه فِي اِستيْحَاءِ فِكرَةَ وَمَضمونِ النَصِ المَقْرُوْءَ لكن َبِرُؤًيَةٍ نَّقْدِيَّةَ
وبأسلوبِ وأنمَاطِ الْقَرَّاءَةَ التحليليةِ ، إذ مِنَ المُمُكِنَ أَنْ يُقَوِّلَ قَائِلٌ مِنَ الْمُهِمَّ جدا ، أَنَ تكون قدْ تَوَصَّلَتْ الىَ نَتِيجَةِ .
والْحَقِيقَةُ تقولُ ، أَنِي لاحظتُ اعتلالُ الجُملِ وتنافرُ المفرداتِ خَلا جُمَلَةٍ واحدَةً ، هِيَ الجملةُ المفيدة فيْ النص ،
اذ أنّ الْكَاتِبُ بَعْدَهَا بِكُلَّ أَسَفَّ ضَاعَ ، وأضاعَ تعبيره وَوَصْفَهُ وَبُوحَهُ بَيْنَ أَفَاقَ الارض وَالْفَضَاءَ ، فَضَاعَتْ حَبيبَتُهُ وَغالِيَتَهُ .
هَذَا جعلني لا اِسْتَغْرَبَ ضِيَاعُهَا مِنْ بَيْنَ يَدِيِهُ ، فلربما كَانَ هُوَ اُحْدُ أسبابِ وَمُسَبِّبَاتِ الضِّيَاعِ ،
خَاصَّةَ ان كَانَ يَكْتُبَ لَهَا وَهِي تَقْرَأُ لَهُ ، أَوْ يَتَحَدَّثُ مَعَها فَتُصْغِي إليه ، وهَذَا مَا دعاني لِلْدُهِشَةِ والاستغراب .
وفِي كُلَّ مَرَّةً كَنَتْ أَتَسَاءَلَ : مَاذَا يُرِيدُ أَنْ يَكْتُبَ لَنَا هَذَا الْكَاتِبُ ؟
لَا أَنَكِرَ عَلَى الْكَاتِبُ اِسْتِعْمالَهُ مُفْرَدَاتِ جَمِيلة ، بَيْدَ اِنْهَ أَنْشَأَهَا فِي جُمَلِ غَيْرَ مُفِيدَةٍ ، فَارِغَةً جوفاءَ ،
تَضَعُنَا عَلَى اعتَابِ ازمَاتِ الشَّتَاتَ ، وكأني به قد أُتِيَ بِجُمَلَ مِنْ الأرض والْفَضَاءِ ، وَمِنْ الشُّرْقِ وَالْغَرْبِ ، وَالْقمرَ ، وَالسَّحَابَ
، و منَ مَجَرَّاتِ كَواكِب أُخرى . فتَارَةً يُحِبُّ وَتَارَةً يُكْرِهُ و يُحْزِنُ . حَقِيقَةً أحسستُ بِدَوَّارِ وَكَأَنَّي عَلَى مُتُنِ مركبةٍ فَضَائِيَّةً
هَائِمَةً فِي الْفَضَاءِ تُنْقِلُنَّي مِنْ مَكَانِ إلى آخر فِي غَيَاهِبِ الظُّلَمَاتِ . وَضَعِنَّي الْكَاتِبُ فِي قَبْضَةِ مَتَاهَاتِ الْقِرَاءةِ ،
فأصَابَنِي بالإعْيَاءِ . مَا جعلني اِبْتَكَرَ طَرِيقَةُ جَديدَةٍ لِلْقِرَاءةِ ، جعلتها الْقِرَاءةِ الْبَدائِيَّةِ ، عَلها تضعني علىَ طريقِة الكَاتب
فأهتدي إليه لكنْ بلا جَدوَى . الْقِرَاءةِ الْبَدائِيَّةِ تلك قِرَاءةُ الْكسالى ، اذ يَقْرَأُ الْقَارِئُ الْكَسُولُ مُضطَجِعَا عَلَى قَفَاِهُ ،
تَلْسَعُهُ نعسةَ الْمَنَامِ ، وهوَ يُقاومُ ، فَتَغَلبُه ، وتُثْقِلُ لِسَانُهُ ، وَتَغَيُّبَ عَقُلِهُ وَجَسَدَهُ عن الوعيْ وتأخَذَهُ إلىَ لَذَّةِ الرُّقادِ .
قِرَاءةُ القَارِئُ الْكَسُولُ الْبَليدُ الَّذِي اذا مَا أرَاد أَنْ يَكْتُبَ كَلِمَةُ ، الْحِرَفُ النَّاسِخُ ( لَكُنَّ ) فَصِلَّ بَيْنَ حِرَفِ اللّاَمِ وَحَرْفَي الْكَافَّ
وَالنُّونَ فِي الْكِتَابَةِ . أَوْ اذن الْاِبْتِدَائِيَّةَ بـ إذا ، وَبُنَّ الْاِبْتِدائِيَّةِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ اِسْمِينَ ، مجردةً فِي أَوَّلَ السَّطْرَ مِنْ الف الْاِبْتِداءَ
" فَوُدِدْتِ ان أَكْوِيَ كَفَّ يده وَأنامَله ". فحَتَّى باستعمَاليَ الْقِرَاءةِ الْبَدائِيَّةِ ، لَمْ أَفَهُمْ بِيُسرٍ مَضْمُونَ وَمُحْتَوًى النَّصِّ
الا إنني اِسْتَمْتَعَتْ بِجِمَالِ مُفْرَدَاتِهُ الْمُسْتَقِلَّةَ المَسْلُوقَة ، كُلَّ مُفْرَدَةً عَلَى حَدِّهُ . أشبهُ بكَلمَاتِ مُتقَاطِعَةِ عِندئذِ
لم تُساورنيْ ريبةً أنّهَا غَيرَ مَنْقَوْلةٍ أصَلاً ، بلْ باتَ ذاكَ أمر مؤكداً بالفعلِ .
هَؤُلَاءِ الْكُتَّابُ جَازَ لِيْ أَنْ أصْفَهُمْ ، كُتَّابِ الْعَشْوَائِيَّةِ وَالضَّبَابِيَّةِ ، استقاء مِنْ مَوْسُوعَات ، شَخْبَطْ شَخَابِيْط ،
مَوْسُوعَاتُ وَضِعَتْ كُلَّهَا عَلَى رَفِّ وَاحِدِ ، كُلَّمَا جَاءَ كَاتِبُ أخذ نسخةً مِنْهَا ، وَنَاوَلَ كاتبٌ آخرَ نُسْخةَ اُخرى .
وهم متعلقون بناصيتها ، فإذا بالمُخرَجَاتِ مقالاتٍ مَنْسُوخَةً مسلوخةٌ مِنْ الفائدة ، مَنْسُوبَةً إلى ثِّقَافَاتِ روائع الأدب الْعُرْبِيِ
، كتاباتٌ تَتصَدرُهَا فيْ المقدمةِ صُورٌ فَنيّة متنوعة أشبهُ بمُحَسِنَاتِ بديعيةِ ، تعويضاً لما تمّ افتقادهُ في نَصِّ المَوْضُوعِ
مِنْ جَمَالِ مَحَاسنِ اللغةِ وصِيغِها البلاغية ، تلك المُحَسّنَاتِ الفَنيَّةِ الاستعراضِية ، هي مؤشرٌ لحَصدٌ
هالاتِ تقييمْ واعِجَابِ القُرَّاءِ فيْ حِينَ أنها أصلاً لَا ترضِ ذَوْقُ الْقَارِئُ الْعُرْبِيِ الْمُطَّلِعُ بمهام جسامَ فِي مَيَادِينِ الْفِكَرِ وَالْفَنِّ وَالثَّقَافَةِ ..
لَا ارى اشكاليةً وَلَا عِتْبَ اذا ما اِتَّجَهَ كُتَّابُ الْمُنْتَدًيَاتِ وَالْمُدَوِّنَاتِ الشَّخْصِيَّةِ لِلْكِتَابَةِ بِلغَةِ دَّارِجَةِ أَوْ عَامِّيَّةَ
بلمساتٍ فنيةٍ وابداعيةٍ مُطُعَمّةٌ باللغةٍ الفُصْحَىَ ، فِيمَا اذا كَانَتْ تَوَصُّلُ الْمُعَنّى وَالْفِكَرَةِ والهدف لِلْقَارِئِ الكريم ،
شريطة أنْ تُحلقَ بعيدا عنْ الموسوعَاتِ المُتأكِلةِ ، التيْ أشرتُ إليها سابقا ، مِنْ المُؤكد اِنْهَا لَنْ تُرَقَّى
إلى مُسْتَوى جيّد فِي صُفُوفِ مُسْتَوِيَاتٍ الْفِكْرَ وَالثَّقَافَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ ، لكننا حِينَهَا سَنَلْتَمِسُ لَهُمْ الْعُذْرَ ،
وَنَنْسُبُهَا الى احساسهم بِالْوَطَنِيَّةِ ، اُقْلُهُ سَنَنْجُو مِنْ النَّقْدِ وَالْعَتَبِ واللوم ، خَيِّرَ مِنْ الْكِتَابَةِ عَلَى أدمَة مُومِيَاءَ
لُغَةِ عُرْبِيَّةٍ مهترئة و مُتبَعثَرةٍ ، مُشَتَّتَةً لِلْفِكَرِ ، بَعيدَةً عَنْ الْهَدَفِ وَجَوْهَرَهُ ، مُفْتَقِدَةً لَحْسَ الْجِمَالِ وَالذَوُّقِ وَالْمَوْضُوعِيَّةِ
، تَعجُ بالأخطَاءِ الإملائيةِ المُتَرَاجِعَة ، فلا نحبذُ قِرَاءَةَ كُلَّ مُفْرَدَةً عَلَى حِدَّةِ ، وَكَأَنَّنَا لِأَوَّلَ وَهَلَةُ نَتَعَلَّمُ فِيهَا الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ .
ومِنَ المُلاَحَظِ صَرَاحَةً أنّ أغلبَ مَقَالاتِ وَخَوَاطِرَ كُتَّابِ التغاريد وَالْمُدَوَّنَاتِ وَالْمُنْتَدًيَاتِ وَمَوَاقِعَ التَّوَاصُلِ الْاِجْتِمَاعِيِ
تتَصَدَّرَهَا صُورٌ اباحية بأسَمَاءَ مُسْتَعَارَةٍ ـ لم يُفصَحُ عَنها وَلوْ لِمَرَّةٍ وَاحِدةٍ ـ كَغُثَاءِ السيل ، لَا تُسَمِّنُ وَلَا تَغَنِّي مِنْ جُوَّعِ .
فمَا هَذَا الَّذِي بَيْنَ أِيدِينَا ؟ وَمِنْ اُجْلُهُ أضعنا اُثْمُنْ أوقاتنا لِقِرَاءتِهِ ، مِنْ تغاريد نَشِازَ، وَمَوْضُوعَاتِ بَائِرَة ،
وكُلَّ ما نُفْهِمُهُ مِنْ مُحْتَوًاها ، الْحَيْرَةُ وَالضِّيَاعُ والنَصَبِ والمعاناةِ ، لَا تَبِثُّ فِي ارواحنا وأذهاننا أدنى مِنْ أملٍ يَعِينُنَا
فِي تَخَطِّي مَصَاعِبَ الْحَيَاةِ . فلا تجْلِبُ لنا سِوَى الارق وَالْقَلِقَ ، فالأوْلَىَ ألا يَكْتِبُ لنا كُتَّابُ الزَّخَارِفَ شُيِّئَا مِمَّا يَكْتُبُوهُ
، وأنْ يَكْتِفُوا بِالْاِنْخِراطِ فِي بفنونٍ أُخْرىَ جَمِيلَةً ، تتنَاسَبُ معَ قُدرَاتِهَم وميولهم ، بعيدا عنْ فنِ الكتابةِ ، وإنْ رَغِبُوهَا
. فُنُونَ تَهْتَمُّ بالتَّصَامِيمِ وَالرُّسُومَاتِ وَالْخُطُوطِ ، فهي مَوَاهِبَ تَخَلُّقُ الرَّوَائِعِ الْجَمِيلَةِ والابداع . فَلَمْ يَكِنُ بيكاسو وأتَرَابِهِ كَاتِبٌ فَذِّ
، لَكِنْه كانَ فَنَّانٌ مُبْدِعٌ بَارِعُ فِي فَنِّ الرَّسْمِ وَالتَّصْوِيرِ ، فَبَدَلاً مِنْ أنْ يُمسِكَ بالقلمِ ويُعَرِّفَ عَنْ نفسهِ ،
أمْسَك بِرِيشَةِ الفَنِ ، فأرْغمَ كُتابا كِبَارا ، أنْ يَكتبُوا عَنهُ وعنْ فنهِ.
كَفَّانَا معاناة ، أَقَلُّه نقبلُ كُتَّابا بِثَقَافَةِ مُتَوَسِّطَةٍ اِلْمِ تصْلَ إلى مَرَاتِبَ متقدمة ، فالغايةَ مِنْ ذلك أنْ يُكْتِبُونَ لَنَا فَنَفَّهُمْ
مُحْتَوًى وَمَضْمُونَ مقالاتهم ، عَلَّنَا بأريحيةٍ نَسْتَشْعِرُ عُذُوبَةَ النَّصِّ مِنْ جِمَالِ مَكنوْنَ أنفسهم ، لَا بأسلوبِ الاختِطَافُ
مِنْ شَخْصِيَّةٍ رَمْزِيَّةً ، أنموذجٌ اِتَّفَقَت مَعَ مُحْتوَاه خَاصِّيَّةُ الابداعِ فيْ شَّكْلِها وَنمَطِها وأسلوبْها الشَّخْصِيْ ،
وقدْ اِنْعَكَسَتْ ظِلالُ تلك الشّخْصِيّةِ ، عَلَى صُوَرِ ونماذج نَمَطِيَّةٍ مُكَرَّرَةً لا تَمتَلكْ خّوّاصَها الابداعِي
ولا طابعها الشّخْصّي ولا أدنىّ مُقَوَّمَات خَصَائصَ الاسلوب المَحْمِي بأسرارِ الابداعْ . فَأَضَاعَتْ تلك الصَّوَرَ الْمُكَرِّرَةَ
خَوَاصِا مناسبةِ لها ، وكُلَّ مَا تتمنىَ امِتلاكِه مِنْ خصائصِ فن الكتابةَ التُدَوِّينُ ، كَرِيشَةٍ حُمَّلَتْ فِي مَهَبِّ الرّيحَ لَا تَدِرِ أين تَحُطُّهَا الرِّياحَ .
كَفَّانَا معاناة ، لَا نطالب كُتَّابِنَا البَرَاعِمَ أن يَكْتُبُوا بِغَزَارَةِ فِكر وأدبِ العقاد وبْنَ الْمُقَفَّعِ وسيبويه ،
نَقْرَأُ وَنَتَذَوَّقُ وَنَتَلَذَّذُ بأدبهم مع كُتَّابِ وأدباءَ الْعَصْرَ الْحَديثَ ، وَأُدباء سَبقوْهُم بكثيرٍ ، بلْ نهيب بالكُتّابَ البَرَاعِمَ
أنْ يقدموا لنا مَا تَيَسَّرَ لهم وَافَادَنا . حَقِيقَةً لَا تَرَوِّي شُغُفِنَا مَوْضُوعَاتُ مُختَطَفَةٌ وَعَبَّارَاتِ مُلتقَطَة وَمُفْرَدَاتِ مُسْتَعَارَةٍ
مِنْ كل مكان . فنَحْنُ لَا نُثَبِّطُ الهمم وَلَا نُحْبِطُ المَواهبَ لأَيُّ كَاتِبِ أرادَ أنْ يَكْتِبُ أو يُعَبِّرُ بمَا شَاءَ لَهُ أنْ يكْتِبُهُ مِنْ مَوْضُوعَاتٍ
و قصائدَ و خَوَاطِرَ ، بَيْدَ أَنَّنَا نُوجِهَه لِأن يَنْئْ بِنَفْسُه عَنْ التّكلُفِ فِي زَخْرَفَةِ الْمُفْرَدَاتِ وأن يَشْرِعُ فِي صِيَاغَةِ وايضاحِ مَا ارَادَ تبيانه
، فَمَا لَا يُدْرِكُ كُلَّه لَا يتَرْكَ جَلِّهُ تأصيلا وَتَطْبِيقَا لِلْجَوْهَرِ وَالْمَضْمُونِ .
كَفَّانَا تَصْفِيقَا بالأعجَابِ وادلاقِ هَالَاتِ الشُّكْرِ وَالْكَيْلَ بِمَكَايِيلِ الْمُجَامَلَاتِ ، قَنَاطِيرَ مُقَنْطَرَةٍ مِنْ الاطراء الْخَجُولَ
لكٌتّابِ الاختطافِ المَجْهُولِينَ الَّذِينَ يَحَمِّلوُننَا عَلَى نُعَشِ الزُّيَّفِ و التَخرِيصِ مُتَسَتَرِيْنَ
وراء أسْمَاءَ الحرية الشخصية ، خَوَفاً مِنُ أشباحِ الهَزِيْمَةِ ، فنكونُ مَعهمُ أولَ الْخَاسِرَيْنِ .
ليت أنّ أغَلَبَ كُتّابَنا يَقبَلُونَ ويَتقبلونَ فِكرةَ النقدِ المَنْطِقِيْ والمُرَاجَعَةِ والتّعْدِيلَ علىَ كِتاباتهمِ
دونَ وَجلِ او شُّعْور بالانتقاصَ منْ حَقوقِهم فيكونُ الهَدَفٌ سَاميَا يحظى بشرفه الجميعَ ،
لكنّ هيهاتَ بَعْضَهُم أن يقبلوه ، حَالَ وَاقعةٍ معيْ غداة يَومَ كتبتُ إلىَ عَميدَ منتدىً مَرْمُوقٍ ،
إذ طلبتُ إليهِ أنْ يُعَدّلَ مقالتهُ المُشَبّعَةَ بالأخطاء ، فَكَافَأنِيْ بإيقاف العُضْوِية وَمَحوَ جميع المشاركاتِ .
هوَ لمْ يَهزْ مِنَ ثِقتي وإيمانيْ وَعَزِيْمَتِي وَقيمَ المَعْنَوَيَّةِ لديَّ ، حَينَ أقصىَ قيمْا ماديةِ تم انْجازها .
يَوَمَهَا قَالَ ليْ أحَدَهٌم : نَكَأتَ جِرَاحَا كَادتْ تَندَملَ . كمْ مِنَ القُرَاءِ أثار مَقَالُكَ حَفِيظَتَه ، فأجبته :
خيرٌ مِنْ احْتِقَانِها بِالأذى ، بِمقْدوْرِنا أنْ نَصْمُتَ وَندَعَهم وَمَا يفعُلوْنَ لكِنّهُمْ سَيُصِيُبْونَ غَيرَهَم بِدَاْءِ هَشَاشَةِ فِكِرَ .
فحَرِيُّ بِكُتَّابِنَا العَمَالِقَةُ المُبدِعُينَ فَحَسبَ , ممِنْ حَظِيَ عنٍ جَدَارَةٍ وَتَمَّيز بمَوْهِبَةِ فَنَّ الكتابةَ و التَّدْوِينِ
أن يُعْلِمُونَا فَنِّ الْاِحْتِواءِ والبَلاغَةِ واللغةِ وقَواعِدَها وَصِيَغ المَعَانِي والفِكَرَةٍ لمَوْضُوعَ ما وَاِمْتَلَكَهَا بِكَفَاءَةٍ ومقدرةٍ وفنٍ ،
كَيْ نَصْدُق ونَكْتُبَ بِصدِقِ بِطْريقَةً هَادِفَةً و بأسلوبٍ مُمْتِعَ شَيقِ ، بَعيدِا عَنْ التّزَلّفِ والتَّكَلُّفِ فِي نَسْجِ
وَصِيَاغَةَ فُنُونِ الزَّخْرَفَةِ الْكَلاَمِيَّةِ الْخَاوِيَةِ ، حَقِيقَةُ هَذَا لَا يَفِيدُنَا بَلْ يُعِيدُنَا اُكْثُرْ مِمَّا كَنَّا نَتَوَقَّعُهُ ،
إلى مَسَافَاتِ رجعِيَّةٍ بَعيدَةً إلىَ الوَرَاء . أتَعَبنِي مَسِيرُ الكِتَابةِوأصَابَنيْ الضَجَرُ والاعياء ولم أنتهِ ،
فإلىَ اللقاءِ ِ.