هند بنت النعمان إحدى نساء العرب المشهورات بالجمال والحكمة والفطنة تزوجها الحجاج بن يوسف الثقفي، فكرهته وتثاقلت منه وذات يوم وهي تداعب خيوط شعرها أمام المرآة محدقة في وجهها الجميل وعيونها الأخاذة فأنشدت تقول:
وما هند إلا مهرة عربية
سليلة أفراسٍ تحللها بغل
فإن ولدت فحلاً فللّه درها
وإن ولدت بغلاً فقد جاء به البغل
فسمع الحجاج ما أنشدت فانزعج وأرسل إليها صداقها مع واحد من خدمه ومقداره مائتي ألف درهم.
فدخل عليها وبلّغها كلام الحجاج قائلاً: يقول لك سيدي كنت فبنت وهذه المائتي ألف درهم التي كانت لك قبله، ففرحت كثيرًا وسُرت بالخبر
وقالت للخادم اعلم يا هذا ..
أنا والله كنا فما حمدنا وبنا فما ندمنا وهذه المائتي ألف درهم التي جئت بها بشارة لك مني لخلاصي من كلب ثقيف
سمع بقصتها عبد الملك بن مروان فأكبرها وعجب منها، فتقدم، لخطبتها فأرسلت له كتابًا مع رسوله إليها قالت فيه ..
بعد السلام والثناء: اعلم يا أمير المؤمنين أن الإناء ولغ فيه الكلب
فلما قرأ عبد الملك الكتاب ضحك كثيرًا وكتب لها يقول: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا إحداهن بالتراب فيطهر.
فلما قرأت كتابه فهمت قصده فكتبت بشرطها إليه، قائلة: يا أمير المؤمنين، والله لا أحل العقد إلا بشرط، فإن قلت ما هو الشرط قلت: أن يقود الحجاج محملي إلى بلدك التي أنت فيها ويكون ماشيًا بحليته التي كان فيها قبل الإمارة.
فلما قرأ كتابها ضحك كثيرًا وأرسل إلى الحجاج يأمره بما طلبت هند، نفذ الحجاج أمر الخليفة وهو طائع وأخذ بزمام البعير بعد أن ركبت عليه هند وهي تضحك عليه وتتحدث مع دايتها واسمها الهيفاء قائلة: اكشفي لي سجف المحمل (أي غطاء المحمل) فكشفته فوقع وجهها في وجه الحجاج فضحكت، فأنشد قائلاً:
فإن تضحكي مني فيا طول ليلة
تركتك فيها كالقباء المفرج
فأجابته على الفور وهي فخورة بزواجها من الخليفة قائلة:
وما نبالي إذا أرواحنا سلمت
بما فقدناه من مال ومن نشب
فالمال مكتسب والعز مرتجع
إذا النفوس وقاها الله من عطب
وفي الطريق رمت بدينار على الأرض، ونادت: يا حجاج ، إنه قد سقط منا درهم فارفعه إلينا.
فنظر الحجاج إلى الأرض فلم يجد إلاّ دينارًا، فقال: إنما هو دينار، فقالت: بل درهم. قال: بل دينار. فقالت: الحمد لله، سقط منا درهم فعوّضنا الله دينارًا، فازداد غيظ الحجاج منها
ولما اقتربوا الشام، أرسل الحجاج رسولا يخبر الخليفة بموعد وصولهم بالضبط ، وأن يولموا الولائم ويجهزوا الطعام احتفاء باستقبال هند، وأوصى الرسول أن يراقب الخليفة ويرسل له إشارة إذا بدأ الخليفة ومن معه بالوليمة
فخرج الخليفة في الموعد المحدد على أطراف الشام وأقام الولائم احتفاء بقدوم عروسه هند وانتظروا وصول الحجاج وهند، وتوقف الحجاج عن المسير في مكان قريب من مكان الاستقبال وتأخر في الوصول في الوقت المحدد،
وانتظر الخليفة ومن معه إلى إن تعبوا من الانتظار وأصابهم الجوع، فقال للقوم قوموا إلى الطعام فقد أصابنا من الجوع والانتظار ما أصابنا..
فلما باشروا بالطعام وانتهوا، أرسل الرسول الإشارة إلى الحجاج فتحرك الحجاج ووصل إلى مكان اللقاء وألقى التحية والسلام على الخليفة
فقال له الخليفة قد أولمنا الولائم وانتظرناك يا حجاج وتأخرت علينا فأكل القوم .. فتقدم إلى الطعام
رفض الحجاج الطعام وقال: " نحن قوم لا نأكل بقايا الرجال "
... فهم الخليفة كلام الحجاج ولم يتزوج هند.
******