بسم الله الرحمن الرحيم
[size=32]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.[/size]تذكير بما سبقا ربطا باللاحق:
رتبة العلم أعلى الرتب:
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، ولا زلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وهو يؤسس القاعدة الاقتصادية، وقبلها التعليمية وقبلها الإدارية، وقبلها الدينية.
على كلٍ، في اللقاء السابق تحدثنا عن أن النبي صلى الله عليه وسلم رسخ مفهومات التعلم، مفهومات العلم، قيمة العلم في حياة الإنسان، وهو الذي يقول دائماً:
(( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ))
( أخرجه الترمذي عن أبي هريرة )
(( إذا كان يوم القيامة يوزن دم الشهداء بمداد العلماء، فيرجح مداد العلماء على دم الشهداء ))
( رواه ابن النجار عن ابن عباس)
أثمن شيء يملكه الإنسان حياته، فهذا الدم الذي يرهق في سبيل الله لا يقل عنه المداد الذي يستخدمه العلماء لنشر العلم، وقال عليه الصلاة والسلام:
((... وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ في السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْحِيَتَانِ في جَوفِ الْمَاءِ ))
(رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ عن أبي الدرداء )
لذلك رتبة العلم أعلى الرتب، وقيمة العلم أعلى القيم.
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
( سورة النساء ).
وإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه علم فقد جهل.
وبينت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع من مكانة العلماء فقال:
(( العلماء أمناء الله على خلقه ))
(أخرجه القضاعي وابن عساكر عن أنس )
وقال عليه الصلاة والسلام:
(( الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ شَرِيكَانِ فِي الْأَجْرِ، وَلَا خَيْرَ فِي سَائِرِ النَّاسِ ))
(أخرجه ابن ماجة عن أبي أمامة )
والناس ثلاثة: عالم ومتعلم، ولا خير فيمن سواهما، << يا بني، الناس ثلاثة ، عالم رباني، هذا كلام سيدنا علي: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق، فاحذر يا بني أن تكون منهم >>، والله عز وجل يقول:
﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾
( سورة آل عمران ).
تأسيس النبي للقاعدة الاقتصادية في المدينة:
[size=32]
أيها الإخوة، ننتقل الآن إلى تأسيس القاعدة الاقتصادية.[/size]1 – الإسلام مجتمعُ الحياة:
بالمناسبة، الإسلام هو الحياة، وأي مجتمع إسلامي لا يهتم بالعلم، ولا يهتم بالاقتصاد مجتمع ضعيف مغلوب على أمره، وما تفوق النبي عليه الصلاة والسلام في دعوته إلا لأنه رأى الإنسان كائناً فيه عقل يدرك، جعل العلم غذاء للعقل، وفيه قلب يحب، جعل محبة الله والعمل للجنة غذاء للقلب، ثم رأى في الإنسان جسماً يحتاج إلى طعام وشراب، فأرسى مبادئ الاقتصاد، فالإسلام هو الحياة.
وكما أن الأمة تبجل وتعظم، من يلوذ في سبيل الله، لكنها في أمسّ الحاجة إلى إنسان يعيش في سبيل الله.
2 – المشكلة الاقتصادية في توزيع الثروات:
لذلك المشكلة أن الاقتصاد لم يكن نتاجاً ناقصاً ضعيفاً، بقدر ما كان علاقات سيئة، هذا كلام دقيق، المشكلة الاقتصادية ليست بحجم الموالي، ليست في حجم الثروات، المشكلة في طريقة توزيع هذه الثروات، الآن الأرض 10% من سكان الأرض يملكون 90% من ثرواتها، والـ90% لا يملكون 10%، فالمشكلة هنا في المواد ؟ أم في طريقة التوزيع ؟ ماذا أراد الله من هذا المال أن يكون ؟ أراده متداولاً بين كل الناس، قال تعالى:
﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً ﴾
أي متداولاً:
﴿ بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾
( سورة الحشر الآية: 7 ).
إذا تداول الأغنياءُ المالَ فهناك مشكلة كبيرة، وفي المجتمعات المتخلفة الأغنياء يقدرون على كل شيء، ولا شيء يهزهم، بينما الخط العريض في المجتمع يتأثر بارتفاع الأسعار تأثراً كبيراً، لأن ارتفاع الأسعار يضعف قوة دخله الشرائية.
3 – مقياسُ نجاح المجتمع اقتصاديا عدمُ اتِّساع الهوة بين الفقراء والأغنياء:
فلذلك البطولة لا أن يتبادل الأغنياء فيما بينهم السلع، هذه حالة مرَضية، البطولة أن يوزَّع هذا المال، وأن توزَّع هذه المنافع والثروات بين أكبر شريحة في المجتمع، ومقياس تقدم المجتمع أن الهوة ليست واسعة بين الأغنياء والفقراء، ولا بين الأقوياء والضعفاء، وكلما اتسعت هذه الهوة كان التخلف أشد، وكلما ضاقت هذه الهوة كانت التحضر أشد.
لذلك القرآن أثبت هذه القاعدة فقال: ﴿ كَيْ لَا يَكُونَ ﴾، أي المال، ﴿ دُولَةً ﴾، أي متداولاً، ﴿ بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾.
إذاً: هناك مشكلة يعاني منها المجتمع الجاهلي، ألا وهي: أن المواد الاقتصادية الثروات، السلع، المواد الغذائية، بصرف النظر عن كميتها، وعن حجمها، المشكلة فيها أن تداولها ليس صحيحاً بل مرضياً.
لذلك اهتم النبي عليه الصلاة والسلام اهتماماً لا حدود له بتشكيل قاعدة اقتصادية، وتنظيم نظام اقتصادي متوازن سوي.
لمحة عن حال أهل المدينة الاقتصادي:
[size=32]
لماحات عن حالة أهل المدينة قبل مجيء رسول الله عليه الصلاة والسلام:[/size]1 – حال الناس من حيث النشاط الاقتصادي:
كان اليهود يسطرون على موارد التجارة، ويتعاملون بالربا، ويتحكمون بالأسعار، وكان عامة الناس ما بين مزارع، وراعٍ للشياه والإبل، وصيّاد، وصانع ، وجامع للحطب، هكذا كان وضع الاقتصاد قبل مجيء رسول الله.
2 – اليهود كانوا يتحكّمون في الاقتصاد:
هؤلاء الذين يتعاملون في الاقتصاد لا تحكمهم قيم أخلاقية، ولا شريعة دينية، إنما يسود بينهم الاستغلال، والسيطرة، والغش، والفساد، والظلم، ومع توارث الأساليب القديمة التي وجودوها في مجتمعهم.
3– حاجةُ المدينة إلى الموارد الاقتصادية المادية والبشرية:
وكانت المهمة النبوية شاقة جداً لأن اقتصاد المدينة بحاجة إلى أمرين معاً، الأول النهوض بالموارد، معنى موارد ؛ البترول مورد، الضرائب مورد، رسوم العبور مورد أرباح الصناعة مورد، أرباح التجارة مورد، أرباح الخدمات مورد، وعندنا شيء اسمه الموارد الاقتصادية، ويقع على رأس هذا المورد الإنسان، الإنسان أكبر مورد اقتصادي.
عندك محل، ورأس مال، وملايين مملينة، لكن ليس هناك خبير، المال تخسره، أما الخبير فيشتري البضائع، ويبيعها، ويربح.
إذاً: في عالم الاقتصاد يعدُّ الإنسان أكبر مورد بشري، لذلك الكثافة السكانية ليست ورقةً خاسرة في الاقتصاد، بل هي ورقة رابحة، والآن أشد البلاد غنىً أكثرها كثافة، اليابان مثلاً مورد من ثروات الأرض، لا بترول، ولا معادن، وفيها أكبر كثافة سكانية، وهي الآن من أغنى دول العالم، والدخل للمواطن فلكي، الصين مليار ونصف، تكاد الآن تلتهم اقتصاد العالم، وفيها كثافة سكانية عالية جداً، تايوان، الهند، لذلك أكبر مورد اقتصادي هو الإنسان.
بالمناسبة، الهند حققت أرباحًا قبل عامين بـ 83 مليار دولار من البرمجيات، كمبيوتر، تصميم برامج، وبيعها للعالم الغربي.
تحذيرٌ من فقر الكسل:
لذلك أقول لكم بدقة بالغة: هناك فقر الكسل، وهذه الطامة الكبرى، فقر كسل عدم إتقان للعمل، عدم المثابرة على العمل، عدم تطوير العمل، عدم إنجاز العمل، تسويف إرجاء، تأخير، عدم إتقان، هذا فقر الكسل، وفي الاقتصاد معايير دولية، يقسمون الدخل القومي على عدد السكان، على أيام السنة، الناتج كم يعمل الإنسان في هذا البلد، في بلاد متقدمة الإنسان يعمل في اليوم 8 ساعات، في بلاد أخرى 6 ساعات، وفي البلاد المتخلفة الإنسان يعمل 27 دقيقة، وفي بلد آخر يعمل 17 دقيقة، وفي بلد آخر يعمل 29 ثانية.
اسمعوا هذا الكلام الدقيق: أمة يعمل أفرادها 17 دقيقة في اليوم لا يمكن أن تنتصر على أمة يعمل أفرادها 8 ساعات.
لذلك الإنسان أكبر مورد اقتصادي، النبي الكريم أمام مشكلتين، البطولة في حل المشكلات، أمام مشروع تنمية الموارد الاقتصادية، وأمام مشروع آخر حسن توزيع الناتج على الإنسان، حسن توزيع ورفع الناتج.
شيء مألوف جداً أن الاقتصاد وقتها كان يشمل الزراعة، والصناعة، والتجارة والصيد، والثروة الحيوانية، والنباتية، والماء، والري، والثروات الباطنية، وطرق النقل ، ووسائل النقل، والرسوم الجمركية، والنقد، وضوابط هذا كله، وعائدات العاملين فيه ، ونصيب الإدارة والدولة، هذا الوضع في المدينة قبل أن يأتي النبي، موارد ضعيفة، سوء توزيع للدولة.
هناك طرفة: كان بعض الفلاسفة البريطانيين صاحب دعابة، فكان له لحية كثيفة جداً، أما رأسه ما فلا شعرة فيه، فلما سئل قال: وفرة في الإنتاج، وسوء في التوزيع.
أحياناً يكون النقص في الإنتاج، وفوق هذا النقص سوء في التوزيع، لذلك واجه النبي هذه المشكلة، نقص في الإنتاج، وسوء في التوزيع، اليهود مسيطرون، الأسعار بيدهم، الربا بيدهم، الموارد بيديهم.
الضوابط التي أقرها النبي لمعالجة الاقتصاد:
الآن ما هي الضوابط التي أقرها النبي عليه الصلاة والسلام معالجة الاقتصاد ؟ وأقول لكم هذه الكلمة: أية أمة ما لم تعالج مشكلاتها الاقتصادية هي أمة سوف تدمر، لأن الإمام علياً كرم الله وجهه أدرك قبل 1400 عام أن الفقر علة العلل، فقال: << كاد الفقر أن يكون كفراً >>.
في خطبة العيد اقتبست من هذه الكلمة كلمات، فقلت: وكاد الفقر أن يكون إرهاباً، وكاد الفقر أن يكون اختلاساً، وكاد الفقر أن يكون تخريباً، تجد أي حركة من الجياع ينهبون، ويحرقون، ويدمرون، لأنه ليس عندهم شيء يخسرونه، وهم ناقمون.
لذلك البطولة في تنمية الموارد، وحسن توزيعها وهذا ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام.
1 – الاقتصاد عبادةٌ تعاملية:
أولاً: من القواعد الاقتصادية التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام أن الاقتصاد دين، وألصق شيء بك العبادة التعاملية، ألا تكذب، ألا تغش، ألا تدلس، ألا ترفع السعر، ألا تستغل، ألا ترابي، ألا تحتكر، ألا تزين السلعة بما ليس فيها، أكثر من مئة معصية بالبيع والشراء.
فالبطولة أن النبي عليه الصلاة والسلام قرر أن الاقتصاد دين، أي أن العمل الاقتصادي جزء لا يتجزأ من الدين.
أنت تبيع الزيت، فتحت المحل صباحاً، فإذا في علبة الزيت فأرة، ولا أحد يستطيع أن يكشف الغلطة، ماذا يعني أن الاقتصاد دين ؟ أن هذه العلبة ينبغي أن تبيعها لمعمل الصابون، وألا تبيعها للمسلمين، فإذا بعتها للمسلمين خنت الأمانة، وألغيت عباداتك، إن هذا العلم دين، وإن الاقتصاد دين.
أنواع الغش لا تعد ولا تحصى، قد تشتري بضاعة من بلد متخلف صناعياً، تضع عليها إشارة إلى أنها مصنعة في أرقى بلد صناعي، تأخذ السعر مضاعفًا، وأنت بهذا كاذب.
(( كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق، وأنت له به كاذب ))
( رواه البخاري، وأبو داود عن سفيان بن أسيد )
إذاً: العمل الاقتصادي جزء لا يتجزأ من الدين.
(( من غش فليس منا ))
( أخرجه الترمذي عن أبي هريرة)
والأمثلة لا تعد وتحصى.
(( يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
(رواه الطبراني عن ابن عباس)
أن يكون طعاماً طيباً ؟ لا، كل طعاماً اشتريته بمال حلال، أي كسبته بتجارة ليس فيها غش، ولا كذب، ولا احتيال، ولا احتكار، ولا تدليس، ولا إيهام، إذاً: العمل المشروع دخله مشروع، إن اشتريت به طعاماً فالطعام طيب.
(( إنّ الله طَيّبٌ، ولاَ يَقْبَلُ إلاّ طَيّباً ))
( رواه فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوقٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ)
وهذا الحديث بالاقتصاد يعد من جوامع الأحاديث:
(( يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
أنت موظف، والمواطنون في أشد الحاجة إليك، وعلى الكوة مئات المواطنين، فتجلس، وتدير حديث مع صديقك، والناس فوق بعضهم بعضاً، ولا يعنيك من أمرهم شيئاً، أنت بهذا خنت الأمانة.
(( يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
لأن هذا الراتب الذي تأخذه على هذا الدوام المتقطع جزء منه حرام، فإذا اشتريت منه طعاماً فالطعام غير طيب، لأن فيه جزاءاً حراماً، لو عرف الناس هذا الحديث لكنا في حال غير هذا الحال.
الاقتصاد دين، وأي عمل اقتصادي يعد جزاءاً من الدين.
مثلاً: عندك مدجنة، وجدت عشر فراخ ميتة، أنت تسلم مذبوحًا، تقدر بكل بساطة، تذبح الميت، وتضعه مع المجموع يمرق، يأتي فروج مشوي، يأكل المسلم لحمًا ميتًا، أنت خرجت من دينك، أنت خنت الأمانة، أصبح ربحك حراماً، وطعامك خبيثاً، ودعاءك غير مستجاب.
طلبُ الفقه واجبٌ:
الآن الضوابط الحلال والحرام وفق التشريع الإلهي يحدد ذلك، لذلك طلب الفقه حتم واجب على كل مسلم، أن تعرف الحلال والحرام جزء لا يتجزأ من دينك.
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
طلب الفقه حتم واجب على كل مسلم، طلب الفقه فريضة بعد الفريضة، لا بد من أن تسأل ما حكم هذا البيع.
ببساطة يقول لك أخ: أنا مضطر لشراء بيت، معي نصف ثمنه، فهل تساعدي بالنصف الآخر على أن أجعل البيت ذا أجرة لك ؟
بيت مثلاً أجرته عشرة آلاف بالشهر، نصفه لك، أنا أعطيك خمسة آلاف، لكن صاحب هذا المبلغ لما أراد أن يسترد مبلغه يأخذه بالتمام والكمال، مادام لم يقيّم البيت تقييمًا جديدًا، وأخذ الذي دفع المبلغ بالتمام والكمال، فهذه الأجرة ليست أجرة، ولكنها فائدة.
من دخل السوق من دون فقه أكل الحرام شاء أم أبى، أما إذا قيم البيت تقييمًا جديدًا، وسعره ارتفع أو انخفض، ونال نصف ثمنه على التقييم بالأجرة فهذا حلال.
2 ـ المساواة بين أفراد المجتمع:
المساواة بين أفراد المجتمع هذه قاعدة اقتصادية، المساواة بين أفراد المجتمع.
والاستثمار فريضة ألزم الله فيها عباده، لماذا فرض الله الزكاة على المسلم ؟ قد تجيبني بألف جواب، لكن هناك جواب قد لا يخطر في بالك، هو أرقى جواب، أن هذا المال إن لم تستثمره تأكله الزكاة، فإن الشرع أراد أن تستثمره لئلا تأكله الزكاة.
لذلك ورد في بعض الأحاديث:
(( اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة ))
(أخرجه الطبراني في الأوسط عن أنس )
3 ـ المنافع متبادلة:
إذاً، معك مبلغ من المال، اعمل مشروعًا، ائتِ بإنسان معه خبرة بلا مال، أنت معك مال بلا خبرة، وتعاونا على المشروع، والربح بينكما، هذه المضاربة، وكان عليه الصلاة والسلام أول مضارب في الإسلام، أخذ مال خديجة، واتجر به، وكان الربح بينهما.
تحقيق العدالة في التجارة ينطلق من مبدأ، أن تكون المنافع متبادلة، أنت عندك دكان بأحد أحياء دمشق، نزلت فجراً إلى سوق الخضار، جئت بخضار وفواكه وحاجات، جارك استيقظ السابعة والنصف، جاء إليك، وأخذ حاجاته، بسعر أعلى من ثمن شرائك، نظير ذهابه باكراً، ودفع المال، وحمل البضاعة، وأتى بها، أنت وجدتها إلى جانب بيتك، هو انتفع ربح، وأنت انتفعت، ووفرت وقتك وجهدك، هذه منفعة متبادلة.
لذلك الذي يضبط الحلال أن المنافع فيه متبادلة، والذي يضبط الحرام أن منتفعة بنيت على مضرة، أوضح شيء السرقة، السارق انتفع بالمال، أما الذي أُخذ المال منه أصابه ضرر كبير، انتفع واحد، وتضرر الثاني، إذاً: الدخل حرام.
من ملامح الاقتصاد تحقيق العدالة، وتوزيع الثروة، وتحقيق التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع الواحد.
4 ـ حقُّ المنافسة:
شيء آخر يتصل بالاقتصاد الحر: حق المنافسة بين الناس في الكسب، وفي الملكية، أنا أقد سلعة مستواها عالٍ جداً أرفع سعرها، والإنسان مخير في سلع رخيصة وسلع غالية، الرخيصة غير متقنة، والغالية متقنة، أنا أنوع بالأساليب، البضاعة تصل إلى البيت، خدمات في الليل، عبر الهاتف، في خدمات أؤديها، أتنافس، والتنافس مشروع ، ومن حق المستهلكين التنافس.
إذاً: من مبادئ الاقتصاد التي أرساها النبي عليه الصلاة والسلام حق المنافسة بين الناس في الكسب والملكية، ولكن ضمن شروط الحلال والحرام، وضمن قواعد الأهداف العامة للمجتمع.
أيها الإخوة، وأقول لكم هذه الكلمة: ما لم تكن متفوقاً في دنياك لا يحترم دينك، وأعوذ بالله من فقر الكسل، هناك فقر القدر صاحبه معذور، وفقر الإنفاق صاحبه مشكور، سيدنا الصديق افتقر فقر إنفاق، قال له: يا أبا بكر، ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال: الله ورسوله ، هذا فقر إنفاق، هناك فقر قدر، لعاهة تمنعه أن يكسب المال، لكن وصمة العار هي فقر الكسل، وعدم الإتقان، وعدم الدوام، والإرجاء، والتأجيل، وعدم الاهتمام، كل هذا يؤدي إلى انصراف الناس عن هذا المحل.
أحيانا ترى محلا في طريق السفر، الغلة اليومية خمسة ملايين، وإلى جانبه مطعم لا ولا زبون فيه، هنا إتقان.
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
( سورة المطففين ).
إن شاء الله في درس قادم نتابع هذه الموضوعات المهمة، وأن ألقي القواعد الاقتصادية من خلال هذا الدرس تحقيقاً لمنفعة العامة.
أنت حر بقدر ما أنت قوي، وأنت قوي إذاً أنت حر، فهناك علاقة بين الحرية، وبين القوة المالية.
والحمد لله رب العالمين