كان شاب يسمى عبد الله يعمل خادما عند أحد ملوك الفرس وكان له امرأة جميلة للغاية،
فخرج يوما الملك إلى إحدى شرفات القصر وجلس ثم نظر حوله فوقع بصره على تلك المراة الجميلة فانبهر بها وسأل بعض الخادمات التي كانت عنده عنها فقالت إحداهن:يا مولاي إنها زوجة خادمك عبد الله،فقال :ويحه أيحوز مثل هذه المرأة ولا أدري،فاضمر الملك في نفسه شيئاً تجاهها وأخذ يفكر في حيلة ليصل إليها،فاستدعى فيروز وناوله كتاباً ليذهب به إلى ولاية بعيدة على غير المعتاد وعلى وجه السرعة،ففرح عبد الله كثيرا حيث اعتبرها مكرمة وترقية من خادم إلى مراسل،أخذ عبد الله الكتاب ومن شدة حرصة عليه وضعه تحت الوسادة عندما أخلد للنوم،وفي الصباح نهض فرحا مسروراً وودع زوجته ووعدها بهدية قيمة،ثم انطلق إلى حيث أمره الملك،ونسي الكتاب تحت الوسادة.
اما الملك فانطلق إلى بيت عبد الله بحجة السؤال عنه إن كان ذهب أم لا ، ولما وصل دق الباب فعرفت انه الملك فرحبت به وفتحت له وهللت،ثم جلس وأخذ ينظر إليها ويتعجب من جمالها،ثم استدرجها وطلبها لنفسه -وهي تعرف أنه ما جاء إلا لهذا الغرض -حيث لم يسبق له أن زارهم أصلا ،فقالت له :اسمع يا مولاي هذه الأبيات:
تركت ماءكم من غير ورد ==== من كــثرة الــورّاد فيه
إذا سقط الذباب على طعام===رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأسود ورود ماء====إذا كان الكلاب ولغن فيه
ويرجع الكريم خميس بطن===ولا يرضى مساهمة السفيه
والله لا قــال قــائــل أبــدا====قــد أكل الليث فضلة الذيب
يا مولاي تأتي إلى موضع شرب كلبك لتشرب منه،الا تعلم أنه لم يترك شيئا لغيره، فاستحيى الملك من كلامها وخفض رأسه وعلم أنها لا تفرط بعرضها ولا تخون زوجها،فانسل متخفيا ونسي فردة من حذائه عندها.هذا ما كان من امر الملك.
أما عبد الله فبعد أن قطع مسافة ليست قصيرة فطن إلى الكتاب فلم يجده فعرف أن نسيه تحت الوسادة،فرجع في الحال ولما وصل ودخل البيت في غفلة من زوجته رأى حذاء الملك فعرف الغاية التي أُرسل من أجلها،فلم يكلم زوجته في أمر الحذاء-وتناول الكتاب وانطلق إلى تنفيذ أمر الملك-فوصل الولاية وسلم الوالي كتاب الملك،وتجول في الولاية واشترى لزوجته الهدايا التي وعدها،ثم عاد وأخبر الملك أنه أنجز المهمة فشكره واكرمه وأعطاه مالا زيادة على راتبه،ولما رجع إلى بيته نظر إلى زوجته ولم يكلمها ودفع إليها الهدايا،وقال لها إذهبي على بيت أهلك وانتظري حتى اّتي لاّخذك ،فذهبت ومكثت عندهم مدة ولم يات عبد الله او يرسل أحدا في طلبها أو يعطي خبرا لأهلها،فقال لها أخوها :ما بال زوجك لم يأت ،لا بد أن أكلمه فلست مطمئنا للأمر،وأنا أعرفه جيدا،فأرسل في طلبه عند أحد المقربين منهما فحضر الإثنان ،وقال أخوها:ما بالك يا عبد الله أطلت الغياب والسؤال عن زوجتك ،فلم يرد عليه عبد الله ولا بكلمة،فقال اخوها:إما أن تخبرني عن السبب أو نحتكم إلى القاضي-
فقال عبد الله:لا احتكم إلا لقاضي الملك،فوافق اخوها ،وحضر الإثنان عند القاضي وبما أنه قاضي الملك،فإن الملك سيحضر الجلسة-فصاروا ثلاثة والقاضي الرابع،
فقال القاضي لأخيها -بما انه المستدعِي- :تكلم وقل ما عندك،فقال :أيها القاضي قد أسلمت هذا الرجل عبد الله بستانا سليم الحيطان حصين البنيان مثمر الأغصان به بئر ماء عذب لا يقدر بأثمان،فهدم حيطانه وخرب بنيانه-وأكل ثماره، وعطل بئره،ثم رد إلي البستان على غير ما استلمه . فقال القاضي :أصحيح ما قاله المدعي يا فيروز، قال :نعم ،ولكني رددت إليه البستان باحسن ما كان،فقال أخوها:ولكنه لم يخبرني عن سبب إعادته إلي دون ان أطلبه منه،فقال القاضي لفيروز:وما السبب يا فيروز؟
فقال:دخلت يوما في البستان فوجدت الأسد (يعني الملك) قد دخله فكرهت ان أدخل في صراع مع ذاك الأسد فعافته نفسي فرددته إلى صاحبه فهو أولى به،عند ذلك تدخل الملك وقال :يا عبد الله لقد دخل الأسد بستانك ،ووالله ما رأى مثله بستان أبدا فوجده صلب الحيطان ،عالي البنيان ،شديد العصيان،ذي أصوار منيعة،ولم يظفر الأسد منه شيئاً يذكر ،فنعم البسنان بستانك فاحتفظ به ولا تفرط فتندم أبد الدهر.
عند ذلك فرح عبد الله فرحا شديدا لأن هذا ما اراد ان يعرفه ويتأكد منه عندما طلب الاحتكام لقاضي الملك،وقال :أمرك أيها الملك ونظر لأخيها وقال :سأذهب معك الاّن لأستلم البستان من جديد،تمّ كل هذا والقاضي وأخوها ينظران إلى بعضهما وهما لا يعرفان شيئا عن القصة.
ربي أسترنا فوق الأرض
وتحت الأرض ويوم العرض
برحمتك ياأرحم الراحمين