بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإنه كثر في الآونة الأخيرة ذكر أخبار توبة المشاهير من الفنانين والممثلين والقساوسة وأصحاب المذاهب المنحرفة من الملحدين والعلمانيين وغيرهم وأهل الرذيلة ممن يروجون برامج الفساد وقد اضطرب كثير من المسلمين في التعامل مع هذا الأحداث واختلفت مواقفهم فمنهم الجافي المكذب لكل خبر ومنهم الغالي المصدق لكل خبر والمتساهل في المدح والثناء وأخطر من ذلك من يعطيهم مكانة ومنزلة تؤهلهم لقيادة المجتمع إلى آخر ذلك من التصرفات السطحية التي تصدر عن ضعف البصيرة وقلة التأصيل العلمي.
فأحببت أن اذكر قواعد في التعامل مع توبة المشاهير حتى تكون معالم في هذا الباب لتنضبط الأمور ويستقيم التائب المشهور ويسلم العامة من المحاذير ولا يساء الظن بالدين وأهله فإليكم هذه القواعد:
الأولى: إذا تاب المشهور فلا يشكر ولا يبالغ في شكره لأن التوبة واجبة عليه شرعا لقوله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). ولا منة لأحد على الله وعلى خلقه في التوبة والاستغفار من عمل الذنوب وعمل الصالحات التي يتقرب بها إلى ربه وإذا تاب كان النفع والفلاح والفوز له لا لغيره فينبغي لنا أن نستحضر هذا المعنى ونذكر التائب به ونقول له أنت العبد المنتفع والفقير إلى ربك بتوبتك إلى الله وأنت الأسير بذنوبك فطهر نفسك طاعة لله ولا فضل منك ولا منة على أحد.
الثانية: يجب أن تكون توبة المشهور خالصة لوجه الله ابتغاء رضا الله والدار الآخرة ولا يقصد بذلك الربح المادي أو تكثير الجمهور أو استجلاب حمد الناس أو الحفاظ على ماله أو النجاة من العقوبة وتسلط السفهاء وغير ذلك من المصالح الدنيوية لأن التوبة عمل صالح والله يقول: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـٰلِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا). ومن تاب لله من الحرام وشرك في نيته غرضا من الدنيا فليست توبته صحيحة. وبعض المشاهير يركب الموجه ويراعي الموضة المنتشرة فإذا وجد أن الحجاب منتشر والأناشيد لها سوق عامر في بلد أو وجد المذهب السلفي سائد في بلد أظهر توبته وتماشى مع الجمهور لتحقيق مصالحه الشخصية ثم إذا تغير العرف رجع لفساده فمن كانت هذه حاله فتوبته فاسدة والله أعلم بنية العبد. وبعض المشاهير من المغنيين يدخل مجال الإنشاد ليجرب سوقه وجمهوره مع بقائه على الغناء المحرم في نفس الفترة فإذا نجح ترك الغناء وإذا فشل استمر على غنائه وهذه توبة كاذبة وتحايل على الله وعلى الناس فهذا لا ينبغي أن نحفل به ولا نعينه على الباطل.
الثالثة: حقيقة التوبة الصادقة النصوح من المشاهير أن يقلعوا ويتركوا ما هم عليه من الاعتقادات والأفعال المحرمة في الحال ويندموا ويعزموا على عدم الرجوع إليها في المستقبل مهما كانت الظروف وتغيرت الأحوال ويتبرأ من ماضيه المظلم ويقطع جميع العلائق بتلك الفترة فهذه هي التوبة الصحيحة التي لا يشوبها شك ولا ارتياب قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهتَدَى). أما التلكؤ والتفكير والإعلان للجمهور ووعدهم بالتوبة في المستقبل فهذه ليست توبة معتبرة شرعا ولا ينبغي لأحد أن يحدث بها ويفرح بها لأنها لم تتحقق في الواقع وهي من باب الأماني الكاذبة على الله. وبعض المشاهير يتناول موضوع التوبة في وسائل الإعلام ويدندن حولها من غير طائل وهو مستمر على عمل الحرام ومقيم ومصر على المعصية فهذا لا يعتبر تائبا في عرف الشرع ولا يعامل معاملة التائب.
رابعا: التوبة الصحيحة المستوفية للشروط تقتضي أن ينأى المشهور التائب ويفر عن مكان المعصية وينقطع بالكلية عن المشاركة في برامج الفساد ويقاطع أصحاب السوء ولهذا لما تاب الرجل قاتل المائة نفس أرشده العالم وقال له: (انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء). متفق عليه. أما المشهور الذي يخبر بتوبته ثم لا يزال يواصل المشاركة في البرامج المحرمة ويتواصل ويثني على الوسط الفني وربما يدعم بعض المشاريع فهذا توبته ناقصة ومحل نظر لأنه يعمل أعمالا تنافي أصل التوبة فكيف يتوب من أمر وهو يدعمه ويقره من وجوه أخرى وبأشكال متنوعة فينبغي له أن يجدد توبته ويقطع علاقته بالحرام بكل الأشكال ولو كلفه ذلك خسارة المال لأن الجنة سلعة غالية لا يعدلها شيء من الدنيا. وهذا التصرف الخاطئ كحال بعض الممثلات اللاتي يلبسن الحجاب العصري ويشاركن في البرامج الهابطة وهذا تلاعب بأحكام الشرع واستخفاف بالدين وعلى من أفتاهم بجواز الاستمرار في هذه الأعمال ورخص لهم إثم عظيم.
خامسا: ينبغي للناس خاصة أهل العلم ألا يعجلوا في تلقي هذه الأخبار ولا يشيعوها في وسائل الإعلام حتى يتثبتوا كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا). ثم إن ثبت خبر توبة المشهور فلا ينبغي لهم أن يعتمدوا كثيرا حتى يتحققوا من صدق التائب وثباته على التوبة والاستقامة لأن كثيرا من المشاهير كان خبر توبتهم مجرد شائعات وبعض من تاب منهم سرعان ما انتكس على عقبيه وترك طريق التوبة لما تعرض لضغوط اجتماعية أو اقتصادية ولا يكاد يصح توبة مشهور ويستقيم على طاعة الله إلا قليل منهم في وقتنا المعاصر كتوبة فهد بن سعيد والشيخ المغربي سعيد الزياني رحمهما الله وغيرهما. وقد أخطأ بعض الدعاة حين تسرعوا في إشاعة بعض الأخبار كإسلام مايكل جاكسون وغيره وكنسبة الملاكم محمد على كلاي للإسلام وهو في الحقيقة ينتسب لفرقة البلاليين الواقعة في كثير من المعتقدات الكفرية. ومما شاع في وسائل الإعلام أنه كل ما مات فاجر أو ملحد ممن ينتسب للإسلام في الجملة ذكروا له توبة قبل موته ونسجوا له قصة مؤثرة ليتعاطف معه الناس ويكثروا من الدعاء له.
سادسا: لا ينبغي للناس أن يمدحوا المشهور التائب ويكيلوا له الثناء المطلق وهو ما زال لم يقوى عوده على الطاعة لأن ذلك يهلكه ويوقعه في العجب والغرور ويعين الشيطان عليه ويفتح عليه أبواب من الشرور فلا يشرع لهم ذلك وإنما المشروع لهم أن يفرحوا بتوبته ويهنئوه على نعمة الهداية لا لكونه مشهورا بل لكونه عبد مذنب تاب من ذنبه وأقبل على عبادة ربه وكثر سواد أمة محمد ولأن الله يفرح بتوبة عبده كما جاء في الصحيحين: (لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه و عليها طعامه و شرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح). فيشرع لهم الفرح به ويجب عليهم أن يقدموا له النصيحة والتوجيه والدعاء له بالثبات والسداد ويقوموا بدعمه وتعزيزه ماديا ومعنويا وأن يذكروه بشروط التوبة ويزيلوا عنه الشبهات.
سابعا: لا يليق بأهل الدعوة أن يصدروا المشهور التائب ويعطوه مكانة ومنزلة في المجتمع ويجعلوه يشارك في توجيه العامة وصناعة البرامج وقيادة الأمة لأن شهرته الزائفة بالسابق لا تؤهله شرعا وعرفا بالقيام بهذه الأعمال وإنما يشترط له كما يشترط لغيره من تحقيق العلم والاستقامة والخبرة والقدوة وغير ذلك من شروط التأهل ولا يحق له مع جهله وقرب عهده بالفساد والانحراف أن يتصدر لذلك والواجب عليهم أن يوجهوه بالإقبال على العلم والعبادة والسلوك وينصحوه بأن لا يتصدر ويحذروه من هذا المسلك الذي إن سلكه أفسده وأفسد غيره. ومن المؤسف أنك تجد بعض وسائل الإعلام المغرضة تصدر بعض المغنين والممثلين ممن اشتهر توبتهم وتستفتيهم في قضايا الأمة ومسائل الحلال والحرام كالاختلاط والحجاب والموسيقى واختلاف الأمة والعلاقة مع الكفار والمفاهيم العصرية وهذا من مشاريع الإفساد لأنه جعل الجهال رؤوسا في العامة فيَضلوا ويُضلوا.
ثامنا: يجب على المشاهير ممن ابتلي بالإلحاد أو العلمنة أو غير ذلك من المذاهب المنحرفة إذا تابوا أن يقبلوا على العلماء ليعلموهم دينهم الحق ومعتقدهم الصحيح ليعبدوا الله على بصيرة ويسلموا من الشرك والبدع واتباع المذاهب المنحرفة فإن بعض المشاهير إذا تابوا يتجهوا لمذهب التصوف أو التشيع وهذه توبة زائغة عن السنة. ومن تاب على مذهب فاسد كان دينه على شفا جرف هار تعصف به الفتن وترميه الشبه ولا يثبت دينه لأنه مؤسس على أسس باطلة. والواجب على من كانت له صلة بالتائب أن يهديه لمذهب أهل السنة والجماعة فإن التوبة لا تكمل ولا تؤتي ثمارها إلا إذا عرف التائب طريق الحق واستقام عليه ولزم الشرع.
تاسعا: أنصح المشهور الذي أمضى عمره وأفنى شبابه في الباطل واللهو والفساد إذا تاب أن يحسن توبته ويكثر من العمل الصالح ويأخذ الدين بقوة ويتمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء ويبذل ماله وجهده في تحذير الناس من الباطل الذي كان يخوض فيه بالطرق الصحيحة والوسائل الصالحة بعد استشارة أهل العلم ليكفر الله خطاياه ويبدل سيئاته حسنات وتكون له منزلة عظيمة في الجنة ويكون ممن نصر دين الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وأخيرا أقترح مع كثرة عمل أهل الباطل في هذه الأيام وكثرة البرامج التي تسعى لإفساد الشباب والفتيات فكريا وأخلاقيا عبر القنوات والحفلات والمهرجانات أقترح تأسيس مؤسسات ومواقع الكترونية ومشاريع متخصصة في تتويب وهداية ونصيحة ضحايا الفن والانحراف يجد فيها المسترشد والباحث عن الحق كل ما يرده إلى الطاعة والاستقامة.