الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ،
قيما لينذر بأساً شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسنا ،
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد :
فلقد خص الله هذه الأمة بخصائص ، وفضلها على من عداها بفضائل فأرسل إليها أفضل رسله ،
وأنزل عليها أفضل كتبه ، القرآن الكريم كتاب حوى الخير كله ،
وأبان طرق النجاة وسبل السعادة في الدنيا والآخرة ،
من اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم ،
تحدى الله الخلق كلهم أن يأتوا بمثله قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذاالقرآن
لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ،
لقد استطاع القرآن الكريم أن يخترق قلوب أهل الكفر ،
و لم يزل يؤثر فيها حتى قاد أصحابها إلى الهدى والإيمان ،
يقول جبير بن مطعم بن عدي رضي الله عنه وكان من أكابر قريش وعلماء النسب فيها
: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة
( وذلك في وفد أسارى بدر ) وسمعته يقرأ في المغرب بالطور ،
فلما بلغ الآية (( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السموات والأرض
بل لا يوقنون أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون )) فكاد قلبي يطير .
وكان للقرآن أثره البالغ على أفئدة قساوسة النصارى كما أخبر الله عنهم بقوله
((وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين )) ،
بل تأثر به مردة الجان الذين كانوا قبل نزوله يسترقون السمع فقالوا ))
إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً
(( بل إنهم اجتمعوا لسماعه وتداعوا إلى الإنصات عند تلاوته
كما حكى الله ذلك عنهم فقال سبحانه
(( وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا
فلما قضي ولّوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى
مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم
يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم
ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز
في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين))
وإذا كان هذا منطق الجن تجاه القرآن فللملائكة كذلك شأن مع القرآن الكريم ،
ففي الصحيحين عن أسيد بن حضير رضي الله عنه قال : بينما هو يقرأ القرآن من الليل سورة البقرة ،
وفرسه مربوط عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت، فقرأ فجالت الفرس ، فسكت فسكنت الفرس ،
ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف ، وكان ابنه يحيى قريبا منها ، فأشفق أن تصيبه ،
فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها ، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له :
(( اقرأ يا ابن حضير. اقرأ يا ابن حضير ، قال :
فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا ،
فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح ، فخرجت حتى لا أراها قال : وتدرى ما ذاك ؟ قال : لا ،
قال : تلك الملائكة دنت لصوتك ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى عنهم .
كذلك يكون أثر القرآن حين يتلى ، ولا غرابة في ذلك فهو كلام الله ، نزل به أمين السماء على أمين الأرض ،
جعله ربنا تعالى شفاءً ورحمة للمؤمنين ، يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين ، فيه نبأ السابقين ، وأخبار الماضين
، وما يكون في آخر الزمان من الآيات والفتن ، فيه بيان للجنة وأهلها ،
والنار وأهلها ، كتاب تكفل الله بحفظه فلا يأتيه الباطل
من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد