حيوان الجراد الصحراوي

يتبع الجراد مجموعة كبرى من الحشرات تسمي بإسم النطاطات. وهذه المجموعة تتميز بأرجلها الخلفية الكبيرة التي تستعملها في القفز. وينتمي الجرادبناء على التقسيم العلمي للحشرات إلي عائلةالجراد والنطاطات ذات القرون القصيرة. وبناء على ذلك فإن الجراد ما هو إلا نطاطات ولكن يتميز بأنه كبير الحجم. والأهم من ذلك قدرته على تغيير سلوكه وطباعه عندما يتواجد بأعداد كبيرة. حيث تتأصل هذه العادات والسلوك وتعيش هذه الأعداد الكبيرة من الجراد في جماعات كثيفة يطلق علىها إسم أسراب الجراد وهذه الأسراب تتكون من الحشرات الكاملة المجنحة والتي لها القدرة على الطيران. ويمكن لأسراب أنواع عديدة من الجرادالهجرة لمسافات طويلة. وهذه الظاهرة والسلوك التجمعي لأفراد الجراد من أهم الصفات التي تميزالجراد النموذجي عن أنواع النطاطات الأخرى.

وجدير بالذكر أن الجراد حين يتواجد بأعداد قليلة فإن سلوكه وطريقة معيشته تكون كالنطاطات العادية.ويعتبر العالم الروسي بوفاروف هو أول من أكتشف أن للجراد مظهران مختلفان عن بعضهما من حيث الشكل والسلوك وهذين المظهرين هما: المظهر الرحال أو المهاجر ، والمظهر الإنفرادي.

وقد وجد أن المظهر الرحال أو المهاجر للجراد ينشأ عندما يتكاثر الجراد بأعداد كبيرة جداً في مساحات محدودة. حيث تبدأ حوريات الجراد في التجمع مع بعضها البعض ويزداد نشاطها وميلها إلى الحركة في إتجاه واحد وتظهر بها العلامات المميزة للمظهر المهاجر. كما وجد أن هذه الحوريات بعد تطورها إلي طور الحشرات الكاملة تستمر في التأثر بما إكتسبته من سلوك وهي في طور الحورية. حيث تستمر الحشرات الكاملة للجراد في النشاط الزائد والميل للحركة الجماعية الناتج عن حب التقليد لحركة بعضها البعض. ثم تبدأ هذه الحشرات المتجمعة من الجراد في الهجرة بمجرد بدء بعضها في الطيران حيث تتبع بعضها البعض وتسير هذه المجموعات من الجراد أولاً في مسارات دائرية تتسع تدريجياً مع إرتفاعها في الطيران ثم يصبح إتجاه طيرانها في خط مستقيم. وينتشر الجرادالصحراوى في العديد من البلدان في قارتي آسيا وإفريقيا. حيث يهاجم النخيل وأشجار الفاكهة المختلفة وأشجار الزينة والمحاصيل الحقلية ومحاصيل الخضر والنباتات والأشجار البرية. ويهاجم الجراد الصحراوي أشجار نخيل التمر في دول شمال إفريقيا وهي تونس والجزائر والمغرب وليبيا ومصر. وكذلك في كل من فلسطين والأردن والعراق وإيران وباكستان والهند. كما يهاجم الجراد الصحراوينخيل التمر في المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان.

وجدير بالذكر أن الجراد الصحراوي عادة ما يهاجم الأشجار البرية المتواجدة بكثرة في الأودية بالسلطنة. حيث تعتبر هذه الأشجار البرية من أهم عوائله. ومن أهم هذه الأشجار.. أشجار السمر وأشجار الغاف. ولكن في بعض السنوات قد تهاجم أسراب الجراد الصحراوي نخيل التمر في السلطنة وتتسبب في إحداث أضراراً بالغة لأشجار النخيل وذلك إذا كانت أعداد أسراب الجراد كبيرة وكثيفة.

ونود أن نوضح بأنه عندما تهاجم أسراب الجراد الصحراوي أشجار نخيل التمر فإنها تأكل خوص النخيل بشراهة. ويؤدي ذلك إلي تجريد النخيل من الخوص. وهذا بالطبع يؤدي إلي نقص كبير في المحصول لعدة سنوات. حيث أن السعفة لا تنتج خوصاً جديداً بل تموت ولذا فإن معظم السعف الأخضر على النخيل الموجود في مناطق الإصابة يموت. وهنا تحتاج النخلة إلي أكثر من ثلاثة سنوات كي تنتج سعفاً جديداً وتستعيد نشاطها وتبدأ في الإثمار الطبيعي. وخلاصة القول فإن هجوم أسراب الجراد على نخيل التمر يسبب تجريد النخيل من جميع خوصه مما يؤدي إلي موت السعف الأخضر وعدم إثمار النخيل لعدة سنوات.

وجدير بالذكر أنه يمكننا بسهولة التعرف علىالجراد الصحراوي بالإضافة إلي أن هجوم الجراد الصحراوي يكون على هيئة أسراب لا تخطئها العين. فالحشرة الكاملة للجراد يمكن تمييزها بسهولة أيضاً. فحشرة الجراد الصحراوي كبيرة الحجم وأجنحتها تفوق البطن في الطول. ولونها العام وردي فاتح أو أحمر وذلك بالنسبة للحشرات الغير ناضجة جنسياً. أما الحشرات الناضجة جنسياً فيكون لون الذكر أصفر لامع أما الأنثي فتكون صفراء فاتحة. أما الأجنحة فلونها أصفر ترابي مع وجود مجموعات من الخلايا مربعة صغيرة لونها بني غامق على الجناحين الأماميين أما الجناحين الخلفيين فشفافان ولا يوجد علىهما أي علامات.

وعموماً فإن لون حشرات الجراد الصحراوي يختلف تبعاً للظروف البيئية والجوية المحيطة بها وتبعاً لدرجة كثافة الحشرات في أماكن تكاثرها. وكما ذكرنا سابقاً فإن الجراد الصحراوي له مظهران هما المظهر الإنفرادي والمظهر المهاجر. ويوجد المظهر الإنفرادي في مناطق تكاثر الجراد الصحراوي في كل من السودان وإريتريا وإثيوبيا واليمن والمملكة العربية السعودية. وعندما تتوفر الظروف الجوية أو البيئية المناسبة يتحول الجراد الإنفرادي إلي المظهر الرحال أي المهاجر. حيث يكون أسراب ويهاجر إلى مناطق أخرى عديدة ليهاجم المحاصيل الزراعية المختلفة في عدد كبير من بلدان العالم.

وتبدأ دورة حياة الجراد الصحراوي بتزاوج الحشرات الكاملة البالغة جنسياً في مناطق تكاثرة السابق ذكرها. ويستطيع ذكر الجراد أن يلقح أكثر من أنثي كما أن الذكور تظل ملازمة للإناث أثناء وضعها للبيض لكي تقوم بمعاودة تلقيحها على فترات أثناء وضع البيض. وتقوم الأنثي بوضع البيض في كتل أو مجاميع في أنفاق عميقة داخل التربة. حيث تفضل الإناث وضع بيضها في التربة الخفيفة الهشة التي تتوفر فيها نسبة من الرطوبة كالوديان والأراضي الرملية المجاورة للمزارع والجسور والمساقي على حواف الترع. وتقوم إناثالجراد بإفراز مادة رغوية في قاعدة نفق البيض قبل وضعه. وهذه المادة الرغوية تحافظ على البيض وتحميه من الجفاف. كما أن بيض الجراد يقوم بإمتصاص كمية من الماء من التربة تبلغ مثل وزنه تقريباً في اليوم ولمدة الخمسة أيام الأولى من وضعه وهذه الماء كافية لكي ينمو البيض بنجاح.

وبعد فقس البيض يمكن مشاهدة الحوريات وهي منتشرة فيما يسمي بحقول البيض. بعد ذلك تتصل حوريات الجراد ببعضها أثناء سيرها مكونة تجمعات كثيفة وتبدأ في التغذية حيث يتحول لونها إلي اللون الأسود مع إنتشار بقع من اللون الأخضر الفاتح علىها. ولوحظ أن الحوريات تتغذي أثناء النهار وتستريح أثناء الليل. كما أن نشاطها وشهيتها تزداد بعد كل إنسلاخ للحورية. ويستغرق طور الحورية حوالي شهر والحورية لها خمسة أعمار. بعدها تتحول الحوريات إلي حشرات كاملة وهذه بدورها تعمل على تكوين أسراب طائرة تهاجم الأشجار المختلفة وغيرها من النباتات. وقد وجد أن للجراد الصحراوي ثلاثة أجيال في السنة الواحدة.

هذا وتكوين أسراب الجراد تبدأ عندما تقوم مجموعات كبيرة من الحوريات بالتجمع والحركة معاً وذلك بغريزة التقليد لبعضها البعض ودون هدف معين. وهذه الحوريات بعد تحولها إلي حشرات كاملة تستمر في التأثر بما إكتسبته من سلوك وهي في طور الحورية أي تبقى تتحرك جماعياً.

وعندما تتوفر الظروف البيئية المناسبة والتي تسمح بتحول الجراد من المظهر الإنفرادي إلى المظهر الرحال أو المهاجر. فإن أفراد الجراد المتزاحمة في المنطقة تزداد حركة ونشاطاً فترتفع درجة حرارة أجسامها. مما يؤدي إلي إحتراق الأجسام الدهنية وغيرها من المواد المخزونة بها. ثم تصبح هذه الأفراد بالغة جنسياً ويبدأ بعضها في الطيران في شكل دائري فوق بقية الأفراد المستقرة على الأرض. والتي تبدأ بدورها في الإنضمام تدريجياً إلي هذه الأفراد الطائرة وبالتالي يزداد عدد الجرادالطائر. ثم تأخذ بعض أفراد المجموعة إتجاهاً معيناً تسير فيه وتتبعها بقية الأفراد مكونة سرباً منالجراد يترك أماكن تكاثره ويهاجر إلي أماكن بعيدة قد تصل إلي عدة مئات من الأميال دون توقف.

ولقد وجد أن أسراب الجراد تطير عادة في إتجاه الريح. كما أن أسراب الجراد كثيفة العدد تطير على إرتفاعات شاهقة أعلى من الأسراب الأقل كثافة وهذه لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة. وقد وجد أن السرب الواحد من الجراد قد يضم بين أربعون إلي خمسون مليون جرادة في الكيلومتر المربع الواحد. وعموماً فإن العوامل الجوية المختلفة مثل: الرياح والأمطار وضوء الشمس ودرجة الحرارة والضغط الجوي تتحكم بدرجة كبيرة في إتجاه الأسراب وسرعة طيرانها. وفي الحقيقة فإن إستيراتيجية مكافحة الجراد التي تتبناها منظمات مكافحةالجراد تعتمد في الأساس على منع تكوين أسرابالجراد والقضاء علىه في أماكن توالده. وبالتالي لابد من عمل مسح ميداني مستمر لمناطق تكاثرالجراد الموسمية المعروفة والقضاء على أي تجمعات لحوريات الجراد قبل تحولها لتكوين أسراب مهاجرة.

وجدير بالذكر أن المكافحة الكيميائية للجراد بإستخدام المبيدات الحشرية هامة جداً لمنع الجرادمن تكوين أسراب والقضاء علىه في أماكن تكاثره. وفي هذا المجال لابد من بذل جهود مكثفة وتعاون بين الهيئات الدولية كمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. كما يجب التعاون بين الدول المختلفة وتبادل للمعلومات في مجال مكافحةالجراد وذلك لإتخاذ الإجراءات المناسبة لمكافحةالجراد في أماكن توالده وأيضاً لتحديد مسار أسراب الجراد ومعرفة إتجاهاتها للإستعداد لمكافحتها في مناطق هجومها ليس فقط لمنع أضرارها الجسيمة على المحاصيل الزراعية المختلفة. ولكن أيضاً لمنعها من التكاثر وتكوين أجيال جديدة في المستقبل. هذا وتستخدم العديد من المبيدات الحشرية لمكافحة الجراد الصحراوي في أماكن تكاثرة. وتستخدم هذه المبيدات إما عن طريق الرش أو التعفير أو بعمل طعوم سامة توضع في مناطق تكاثر الجراد. هذا وقد يساعد الرش الجوي بإستخدام الطائرات على سرعة مكافحة أسراب حوريات الجراد الزاحفة وكذلك أسراب الحشرات الكاملة.

دمتم بخيير

:بارك :

» فوائد حيوان الاسفنج