ورد ضرب النساء في القرآن في موضع واحد في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34], والنشوز هو مخالفة اجتماعية وأخلاقية.
حيث تمتنع المرأة عن أداء واجباتها, وتلك الواجبات هي حقوق الله أو حقوق المجتمع, أو حقوق الأسرة أو الزوج, كما أن واجبات الزوج تعتبر حقوقا للزوجة في هذه المناحي.
وقد عبرت الآية بحرف الواو الذي يفيد مطلق الجمع, ولا يفيد الترتيب, إشارة إلى اختلاف الثقافات السائدة, حيث إن الإسلام دين عالمي يخاطب البشرية جمعاء عبر الزمان والمكان واختلاف الأشخاص والأحوال, فهناك ثقافة تتحمل الوعظ, وهناك ثقافة أخرى ترى في الهجر نوعا من أنواع التأديب ..
وفي بعض الأحيان ترى فيه نوعا من أنواع الاعتراض, بحيث إن المرأة في تلك الثقافة لا تتأكد من رفض زوجها حالها إلا بهذا الهجر, ولا تعده انتقاما أو إضرارا بقدر ما تعرف به مدى غضب زوجها وجديته في طلب التغيير, وكذلك الضرب, ففي بعض الثقافات التي مرت على البشر كان ذلك هو الوسيلة التي تعرف بها المرأة الرفض والغضب من زوجها, وتعد ما سواه نوعا من أنواع الدلال, إلا أن الضرب كان غرضه التأديب وإظهار الغضب أو الرفض وليس الإضرار أو الانتقام أو الإهانة أو الانتقاص, ولذلك كان يتم بأبسط الأشياء كالسواك (فرشة الأسنان) بحيث لا تتأذى المرأة بأي حال من الأحوال.
إن الإسلام عندما أباح تلك الضربة الخفيفة في هذه الحالة وفي تلك الثقافات, قصد إلى الحفاظ على الأسرة, بارتكاب أخف الضررين.
وبالمقابل فقد نص الفقهاء على أن الرجل يضرب ويؤدب كذلك إذا أخطأ في حق المرأة, وعندما ضرب كثير من الرجال نساءهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم, ذهبن للشكوى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعنف النبي صلى الله عليه وسلم من فعل من أصحابه, وغضب منهم, وقال لهم: لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم (سنن أبي داود 245/2) فسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي نحث المسلمين عليها, هي عدم الضرب, كما جاء نصا عن عائشة قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط, ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله (صحيح مسلم1814/4).
والواقع أنه لو بحثنا في المجتمعات الإسلامية عن وجود شكوى العنف ضد النساء, أو التعذيب ضدهن أو ضربهن -لوجدنا ذلك في حالات معدودة وقليلة ناتجة عن عدم التزام تلك الحالات بتعاليم دينهم الحنيف. فأغلب الرجال في المجتمعات الإسلامية لا يمارسون العنف والضرب ضد النساء, ويصون الرجال النساء في تلك المجتمعات ويحافظون عليهن.
وفي المقابل إذا أردنا أن نقرأ واقع الغرب وضرب النساء الظالم الشائع فيه, نجد الإحصائيات الموثقة من المصادر الغربية نفسها تشهد بأن:
79% من الرجال في أمريكا يضربون زوجاتهم ضربا يؤدي إلى عاهة.
17% منهن تستدعي حالاتهن الدخول للعناية المركزة.. والذي كتب ذلك هو الدكتور (جون بيريه) أستاذ مساعد في مادة علم النفس في جامعة (كارولينا).
حسب تقرير الوكالة المركزية الأمريكية للفحص والتحقيق, هناك زوجة يضربها زوجها كل 18 ثانية في أمريكا.
كتبت صحيفة أمريكية أن امرأة من كل10 نساء يضربها زوجها, فعقبت عليها صحيفة إن امرأة من كل امرأتين يضربها زوجها وتتعرض للظلم والعدوان (ومن شاء المزيد فليرجع إلى تقرير لجنة الكونجرس الأمريكية لتحقيق جرائم الأحداث في أمريكا تحت عنوان (أخلاق المجتمع الأمريكي المنهارة).
أما في فرنسا فهناك مليونا امرأة معرضة للضرب سنويا.. أمينة سر الدولة لحقوق المرأة (ميشيل ندريه) قالت: حتى الحيوانات تعامل أحيانا أفضل من النساء, فلو أن رجلا ضرب كلبا في الشارع سيتقدم شخص ما يشكو لجمعية الرفق بالحيوان, لكن لو ضرب رجل زوجته في الشارع فلن يتحرك أحد في فرنسا.
92% من عمليات الضرب تقع في المدن, و60% من الشكاوي الليلية التي تتلقاها شرطة النجدة في باريس هي استعانة من نساء يسيء أزواجهن معاملتهن.
وفي بريطانيا يفيد تقرير أن 77% من الأزواج يضربون زوجاتهن دون أن يكون هناك سبب لذلك.
وأن أكثر من 50% من القتيلات كن ضحايا الزوج أو الشريك. وارتفع العنف في البيت بنسبة 46% خلال عام واحد إلى نهاية آذار 1992, كما وجد أن 25% من النساء يتعرضن للضرب من قبل أزواجهن أو شركائهن. وتتلقى الشرطة البريطانية 100 ألف مكالمة سنويا لتبلغ شكاوى اعتداء على زوجات أو شريكات, ويستفاد من التقرير نفسه أن امرأة ذكرت أن زوجها ضربها ثلاث سنوات ونصف سنة منذ بداية زواجها, وقالت: لو قلت له شيئا إثر ضربي لعاد ثانية لذا أبقى صامتة, وهو لا يكتفي بنوع واحد من الضرب بل يمارس جميع أنواع الضرب.
إن مفهوم الضرب بهذه الصفة لاشك أنه مصيبة يجب على جميع البشر الوقوف ضدها, وفقهاء المسلمين يقفون ضد هذا الضرب, والنبي صلى الله عليه وسلم يبين أن العلاقة بين الرجل والمرأة تقوم على المودة والرحمة وهذا يتنافى مع الضرب والإيذاء, ولذلك يستنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك استنكارا شديدا فيقول صلى الله عليه وسلم: يضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد ثم يجامعها في آخر اليوم؟ (صحيح البخاري1997/5), ولعل في ذلك ردا على من زعم أن الإسلام أهان المرأة بأن أباح للرجل ضربها.